بغداد ، العراق – في ظل ترقب إعلان النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العراقية، يتجه المشهد السياسي نحو مرحلة “مخاض تفاوضي صعب”. هذه المرحلة تتجاوز تداعياتها تشكيل الحكومة الجديدة. ستحدد مسار العراق القادم ضمن معادلة إقليمية جديدة متغيرة.
ويرى المحللون أن التنافس الشديد داخل البيت الشيعي والسني، بالإضافة إلى المواقف المتباينة للقوتين الفاعلتين، إيران والولايات المتحدة، ستُرسّخ إما “وصاية الدولة” أو “وصاية المقاومة”.
أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق اليوم الاثنين، انتهاء عمليات تدقيق وفرز جميع المحطات الانتخابية. أشارت إلى أن النتائج جاءت مطابقة بنسبة 100% مع العد والفرز اليدوي. من المرجح أن يتم إعلان النتائج النهائية وتوزيع المقاعد البرلمانية اليوم أو غدا.
وبينما تستعد القوى الفائزة لمرحلة جديدة من المفاوضات الشاقة لتشكيل الحكومة، يبرز التنافس الشيعي الداخلي على من يحسم قيادة الكتلة الأكبر، خصوصا بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وائتلاف خصمه نوري المالكي.
يتمتع محمد شياع السوداني بميزة كونه صاحب أكبر عدد من المقاعد الفردية. بالإضافة إلى أنه يحظى بـ “مباركة أمريكية مبكرة” عقب إعلان النتائج الأولية. هذا الدعم الخارجي يمنحه قوة في المفاوضات.
كما يعتقد أن بعض قوى “الإطار التنسيقي” لا تملك “فيتو” حاسما على السوداني. يمكن تسوية الخلافات معه عبر التفاوض ومنحه ما تطلبه من مناصب وامتيازات. هذا يجعل فرصته في ولاية ثانية قائمة بقوة.
تحديد مسار العراق في المعادلة الإقليمية
وفي سياق التحليل السياسي، يرى الدكتور فراس إلياس، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الموصل لـ”صوت الإمارات”، أن الانتخابات الحالية لن تختلف في نتائجها عن سابقاتها. لكنها ستختلف في تداعياتها التي ستحدد المسار القادم للعراق ضمن المعادلة الإقليمية الجديدة.
ويقول إلياس لـ” صوت الإمارات” إن الساحة العراقية ستحسمها نتائج الانتخابات وشكل الحكومة المقبلة. في وقت لم تعد فيه المعادلة الإقليمية تحتمل الشكل الرمادي للعراق، خصوصا في ظل ثنائية (وصاية الدولة) أم (وصاية المقاومة).
ويشير التحليل إلى أن إيران تراهن على هذه النتائج للحفاظ على المعادلة السياسية الحالية، لا سيما على المستوى الشيعي. أما الولايات المتحدة تراهن على إنتاج معادلة سياسية جديدة تتيح لها إعادة إنتاج دور جديد في العراق.
ويتوقع أن تستمر محادثات تشكيل الحكومة الجديدة لأسابيع طويلة. وذلك بعد المصادقة النهائية على النتائج وفتح باب الطعون لمدة ثلاثة أيام من اليوم التالي لنشر النتائج على الموقع الرسمي للمفوضية.
صراع القوى الداخلية وتشكيل التحالفات
وأوضح المحلل السياسي العراقي هادي جلو مرعي أن المشهد يتجه حتما نحو ضرورة تشكيل تحالفات واضحة بين القوى الشيعية والسنية والكردية. هذه الخطوة ضرورية لاستقرار العملية السياسية.
ورجح مرعي لـ “صوت الإمارات” أن يمتلك رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي القدرة على جمع القوى الشيعية في تحالف كبير. هذا التحالف سيعيد ترتيب المشهد داخل المكون.
وأكد مرعي وجود منافسة داخلية قوية بين القوى السنية. لافتا إلى أن الشيخ خميس الخنجر هو الأقرب سياسيا لتحالف “العزم”، ويرى أنه يمتلك القدرة على المناورة السياسية لتشكيل تحالف واسع. يجمع بين “عزم” و”تقدم” وقوى سنية أخرى، في ظل صعوبة التوافق المباشر مع رئيس تحالف التقدم محمد الحلبوسي في هذه المرحلة.
ويتوقع أن تستمر محادثات تشكيل الحكومة الجديدة لأسابيع طويلة، بعد المصادقة النهائية على النتائج وفتح باب الطعون.
الموقف الأمريكي
وترى الباحثة وعضوة الحزب الجمهوري الأمريكي، إيرينا تسوكرمان، أن واشنطن تتعامل مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بـ “تفاؤل حذر”. مرجعة ذلك إلى مفارقة تكمن في أن الاستقلال الذي يسعى إليه العراق قد ينهار دون حد أدنى من الوجود الأمريكي.
وفي تصريح لـ “صوت الإمارت” أوضحت تسوكرمان أن كلتا إدارتي الرئيسين الأمريكيين (بايدن وترامب) لديهما اهتمام مشترك بتقليل الوجود العسكري الأمريكي في العراق. ومع ذلك، تدركان أيضا أن ترسيخ إيران للسلطة دون رادع من شأنه أن يدمر التوازن الذي تحقق بتكلفة باهظة على مدى عقدين.
وترى تسوكرمان أن حكومة السوداني “توفر منفذا للحوار” مع واشنطن، لكنها في الوقت ذاته “ليست ركيزة موثوقة للمصالح الاستراتيجية الأمريكية”.
وشددت الباحثة على أن استمرار الوجود الأمريكي والإشراف يظل ضروريا. هذا سيمنع عودة تنظيم داعش، وكذلك يردع المزيد من التعديات الإيرانية في المنطقة.


