القاهرة، مصر – رأى المحلل السياسي القطري، الدكتور عبد الله الشمري، أن قمة الدوحة لم تكن مجرد اجتماع روتيني ضمن أجندة القمم العربية. بل هي محطة فارقة في لحظة إقليمية حرجة. وأكد أن القمة سعت إلى إعادة بلورة موقف عربي موحد. وذلك في ظل تعقّد الملفات الساخنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. هذه القضية وُضعت مجددًا في صدارة الاهتمام العربي باعتبارها جوهر الصراع في المنطقة. كما أشار إلى أن النقاشات أظهرت رغبة عربية في تجاوز حالة التشتت. كذلك توحيد البوصلة السياسية تجاه القضايا الكبرى.
الانعكاسات الاقتصادية وأولويات التنمية
من جانبه، أوضح الدكتور أحمد جابر، وهو خبير اقتصادي مصري، أن البعد الاقتصادي كان أحد أبرز محاور قمة الدوحة. حيث ركزت التوصيات على تعزيز الأمن الغذائي العربي، وتكامل أسواق الطاقة، والبحث عن آليات عملية للتعاون المالي. وأكد أن طرح فكرة إنشاء صناديق تمويل عربية مشتركة يمثل تحوّلًا مهمًا. هذا التحول يهدف إلى إدارة أزمات التضخم والديون بآليات عربية، بعيدًا عن الارتهان الكامل للمؤسسات المالية الدولية. وأضاف أن تعزيز الاستثمارات البينية قد يشكل مظلة واقية أمام تقلبات الاقتصاد العالمي.
الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب
أما الباحثة الأردنية في شؤون الأمن الإقليمي، الدكتورة ليلى العوضي، فقد اعتبرت أن الجانب الأمني في القمة كان الأكثر تطورًا مقارنة بالقمم السابقة. حيث لم يقتصر على مقاربة تقليدية لمكافحة الإرهاب، بل امتد ليشمل قضايا الأمن السيبراني والتحديات التكنولوجية الجديدة. وأشارت إلى أن إدراك القادة العرب لهذه المخاطر يعكس نقلة نوعية في التفكير الاستراتيجي. سيكون هذا مهمًا، خصوصًا أن التهديدات لم تعد محصورة في الميدان العسكري، بل امتدت إلى فضاءات الاقتصاد والفضاء الرقمي.
البعد الدولي ورسائل للعالم
وأكد البروفيسور الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، جان بيير دوبوا، أن القمة لم تُوجَّه فقط للداخل العربي، بل حملت رسائل واضحة للمجتمع الدولي. مفادها أن العرب لم يعودوا مجرد متلقين للسياسات. بل باتوا يسعون لفرض حضورهم كشركاء فاعلين في صياغة المعادلات الإقليمية والدولية. ولفت إلى أن القمة بعثت برسائل مزدوجة: الأولى إلى الولايات المتحدة وأوروبا بضرورة احترام المصالح العربية. أما الثانية فتوجهت إلى القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا حول استعداد المنطقة لإعادة التوازن في تحالفاتها.
مستقبل العمل العربي المشترك
وأشار المفكر السياسي التونسي، الدكتور محمد السالمي، إلى أن قمة الدوحة أعادت طرح سؤالًا قديمًا لكنه متجدد: هل يستطيع العرب تحويل بيانات القمم إلى برامج عمل ملموسة تتجاوز الخلافات البينية؟ واعتبر أن التوصيات الأخيرة تمثل بداية مسار جديد. لكنها تبقى مرهونة بمدى التزام العواصم العربية بآليات التنفيذ والمتابعة. كذلك شدد على أن التجارب السابقة أظهرت أن غياب الإرادة السياسية كان العقبة الأكبر أمام تفعيل القرارات.
توقعات المرحلة المقبلة يتفق محللون عرب من مختلف الاتجاهات على أن قمة الدوحة شكلت خطوة متقدمة في مسار العمل العربي المشترك. لكنها تبقى “بداية الطريق” وليست نهايته. فالتحديات أمامها لا تزال كبيرة، سواء في الملف الفلسطيني أو السوداني أو في مواجهة الأزمات الاقتصادية. ومع ذلك، ما يميز هذه القمة هو محاولة الانتقال من لغة الشعارات إلى صياغة مبادرات عملية. هذا ما يراه الخبراء، وهو ما يمنحها خصوصية قد تحدد مستقبل العلاقات العربية – العربية في السنوات المقبلة.