جوبا، جنوب السودان-في كشف جديد يسلط الضوء على تحديات الحوكمة والشفافية في جنوب السودان، أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرا موسعا بعنوان “الإيرادات غير النفطية”،
وثقت فيه شبكة فساد مؤسسية واسعة النطاق داخل نظام إدارة الإيرادات غير النفطية، ما يهدد جهود الدولة نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط.
خصخصة التحصيل الضريبي لصالح شركة مرتبطة بالسلطة
أحد أبرز ما كشفه التقرير هو خصخصة الحكومة لعملية جمع الضرائب والرسوم العامة، والتي أسندت إلى شركة Crawford Capital Ltd،
وهي شركة وصفها التقرير بأنها “مرتبطة سياسيا” بعدد من القيادات النافذة في الدولة.
وذكر التقرير أن الشركة تحتفظ بجزء كبير من العائدات في حساباتها الخاصة، دون تحويلها إلى الخزينة العامة،
وهذا وسط غياب آليات رقابة مستقلة، ما أضعف الشفافية والمساءلة المالية.
هيئة الإيرادات الوطنية في دائرة الاتهام
كما اتهم التقرير هيئة الإيرادات الوطنية (SSRA) بتجاوز النسبة القانونية المسموح بها للاحتفاظ بالإيرادات التشغيلية.
ففي حين ينص القانون على سقف 2٪ فقط، بلغت النسبة 14.5٪ في عامي 2024–2025،
وذلك رغم أن القانون ذاته ألزم بوقف هذه الممارسة بحلول عام 2023.
وأشارت اللجنة الأممية إلى امتلاكها أدلة على سحوبات غير قانونية من الحسابات الاحتياطية للهيئة حتى مطلع 2025،
معتبرة أن هذه الممارسات تقوض ثقة المواطنين وتعطل جهود التنمية الاقتصادية.
حكومات الولايات تستخدم ضرائب المواطنين لأغراض شخصية
اتساع رقعة الفساد لم يتوقف عند المؤسسات القومية، بل طال بعض حكومات الولايات، التي تتعامل مع ضرائب الدخل الشخصي كمصدر تمويل خاص، بحسب التقرير.
وأكدت اللجنة أن هذه الأموال تستخدم من قبل بعض الولاة لأغراض شخصية أو غير مدرجة ضمن الموازنة الرسمية.
وحذر التقرير من أن هذا السلوك يعزز “ثقافة الإفلات من العقاب”، ويقوض أسس تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل الصحة والتعليم والمياه.
بيئة اقتصادية طاردة للاستثمار والتنمية
أوضح التقرير أن القاعدة الضريبية في جنوب السودان محدودة للغاية،
حيث تتركز الإيرادات في الغالب على موظفي المنظمات الدولية،
وهذا في ظل اقتصاد غير منظم في قطاعات التعدين وقطع الأخشاب، وغياب إطار قانوني ناظم.
وذكرت اللجنة أن عدم الاستقرار الاقتصادي والفساد الإداري يعرقلان أي محاولات حقيقية لتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي أو تنشيط الاقتصاد غير النفطي.
دعوات أممية للإصلاح وتحقيق مستقل
في بيان مرفق بالتقرير، قالت اللجنة عبر صفحتها الرسمية:”عندما يسيطر الفساد على النظام الضريبي، فإن الدولة نفسها تقع تحت قبضته.”
وشددت على ضرورة مراجعة شاملة للسياسات المالية، وتفعيل الرقابة المستقلة،
بالإضافة إلي إجراء تحقيق شفاف ومستقل في أنشطة هيئة الإيرادات الوطنية وشركة كروفورد كابيتال،
وهذا بما يشمل مراجعة العقود والإجراءات المرتبطة بالتحصيل الضريبي.
من يدفع الثمن؟
خلص التقرير إلى أن أموال المواطنين لا تستخدم لخدمتهم، بل تتحول إلى وسيلة لإثراء نخبة محدودة،
وهذا وسط تفشي ما وصفه التقرير بـ”اقتصاد الفساد البنيوي”.
وحذر مراقبون من أن استمرار هذا الوضع قد يقوض ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة ويعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية،
داعين إلى إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة.