صوت الإمارات-لجأ الرئيس التونسي قيس سعيد إلى أسلوب الإسقاط الأدبي في رده على الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد منذ عدة أسابيع، إذ استحضر بيتًا شعريا لواحد من أشهر الشعراء الأمويين المشهورين بالهجاء اللاذع، وهو الشاعر جرير، الأمر الذي أطلق حالة واسعة من الجدل السياسي والثقافي في البلاد.
وكان الرئيس التونسي يلقي خطابًا أمس الأربعاء يحاول فيه الرج على المحتجين على الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة في تونس،
واستحضر سعيد بيتنا شعرير لجرير قال فيه: برّدتُ الفرزدقَ فقطعتُ أنفَه»، في إشارة مجازية فهمها كثيرون بأنها رسالة حزم وتهديد لمعارضيه.
ويعيد استخدام الرئيس التونسي للشعر العربي الإسلامي واقعة أخرى قريبة، حينما فعلها الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مؤتمر قمة الدوحة الأخير بشأن غزة.
أزمة مستمرة
لم تهنأ دولة تونس على مدى ما يزيد على أكثر من 12 عاما بشيء الاستقرار السياسي،
فالصراعات على أشدها بصورة مستمرة بين البرلمان والرئاسة، وسط اتهامات دائمة من الجانبين،
في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حالة أخرى من تدهور الأحوال الاقتصادية بجانب الأزمات السياسية المستمرة،
والتي تصاعدت من عام 2021 بإعلان الرئيس التونسي حل البرلمان وتوسيع صلاحيته،
وهو ما أدى إلى اتهامه من معارضه بأنه أحدث انقلابا على الديمقراطية.
وفي الأسابيع الأخيرة تصاعدت الاحتجاجات ضد الرئيس قيس سعيد، ما أدى إلى لجوئه لحالة من الدفاع عن النفس بعد أن تبنى خطابا تعبويا حادا ضد خصومه،
أتهم خلاله البعض منهم بالعمالة للخارج والسعي لزعزعة امن البلاد واستقراره.
ويواجه سعيّد تحديات متشابكة، أبرزها الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتراجع الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة،
وتزايد الغضب من الإجراءات الأمنية ضد المعارضين.
وتزامن تصاعد الاحتجاجات مع أزمة سياسية جديدة داخل النخبة الحاكمة، ما جعل الشارع في حالة غليان مستمر.
أزمة لغوية وسياسية
ومؤخرا اثار استشهاد الرئيس قيس سعيد ببيت شعري للشاعر الأموي جرير حالة من الجدل في الأوساط السياسية والثقافية ظهر صداه على مواقع التواصل الاجتماعي،
إذ اعتبر البعض أن استعانته بأبيات هجاء من التراث العربي تأتي في سياق محاولة الاسقاط عن طريق استخدام الرموز اللغوية والشعرية،
في حين حين اعتبره آخرون تصعيدا في الخطاب الرسمي وتحويل الثقافة إلى أداة سياسية.
وفي الوقت الذي يتواصل فيه الغضب الشعبي بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع نسب البطالة،
اعتبر محللون أن الرئيس يستخدم الخطاب الأدبي لتوجيه رسائل متعددة، داخلية وخارجية، في لحظة تتسم بالاحتقان السياسي والاجتماعي.
أسقاط على الواقع
جاء استشهاد الرئيس ببيت هجاء من العصر الأموي بدا للبعض تعبيرًا عن ثقافة لغوية تراثية، لكنه في الوقت نفسه كشف عن توترٍ في علاقة السلطة بالشعب.
فحين يتحول الشعر إلى سلاح سياسي، تتحول المعاني الرمزية إلى إشارات مباشرة تُقرأ في سياق الأزمة.
ويرى مراقبون أن استعارة صورة «قطع الأنف» التي استخدمها جرير ضد خصمه الفرزدق، تنطوي على رمزية الإذلال والانتصار،
وهي استعارة خطيرة في الخطاب السياسي الحديث، لأنها قد تُفهم على أنها تهديد أو ازدراء للمعارضين، بدل أن تكون مجرد بلاغة لغوية.
أزمة تتجاوز اللغة
ولم تكن الأزمة في تونس حاليا مجرد سجال لغوي أو أدبي فحسي، بل أزمة ثقة شاملة بين الدولة والمجتمع.
إذ إن مغذيات تلك الأزمة ما زالت قائمة ومستمرة طالما هناك من يغذيها من الداخل والخارج،
خاصة في ظل استمرار حضور رموز جماعة الإخوان ومحاولة السيطرة على المشهد بين الحين والآخر،
في ظل محاولات كبيرة من السلطة للسيطرة على زمام الأمور والبحث عن حلول معقولة للأزمات التي يعيشها المواطن التونسي،
وسط هذا الكم الهائل من التحديات التي تفرضها الظروف الاقتصادية ومحاولات فئات بعينها شغل السلطة في مسائل فرعية بعيدا عن رغبة الشعب.
الرئيس السوري أحمد الشرع.
لم يكن الرئيس التونسي فقط هو الذي استخدم ابياتا من التراث العربي في خطابه السياسي بتلك الصورة ،
لكن فعلها من قبله الرئيس السوري أحمد الشرع خلال خطابه الذي لم يتعد ثوان بقمة الدوحة الأخيرة،
والتي لم ينطق فيها بشيئ سوى بيت شعري واحد منسوب لعلي ابن ابي طالب رضي الله عنه،
قال فيه: “متى تجمعُ القلبَ الذكيَّ وصارماً وأنفاً حمياً تجتنبك المظالمُ”.
ويبدو أن الأنف سيظل حاضرا كثيرا في الخطاب السياسي المطروح على الساحة نظرا لرمزيته المعروفة لدى الأدباء.