مايكل روبن ، معهد أمريكان إنتربرايز – بعد نحو شهر على إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا وجّه فيه وزارة الخارجية إلى البدء بتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين منظماتٍ إرهابية أجنبية. اتخذت المملكة العربية السعودية مسارًا مختلفًا، حيث أتاح هذا المسار لجماعة الإخوان المسلمين هامش حركة في اليمن المجاورة، في الوقت الذي تواصل فيه الرياض قمع الجماعة داخل أراضيها.
يحقق هذا السلوك هدفين بالنسبة للسلطات السعودية.
أولًا، يتيح هذا المسار للرياض استرضاء جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها. مما يمكّنها من تصدير أيديولوجيتهم وعنفهم إلى الخارج، في الوقت الذي تضيق فيه عليهم داخل المملكة.
ثانيًا، تُظهر السياسة السعودية في هذا السياق تغليب اعتبارات الصراع الإقليمي والحسابات الخاصة. وهذا يأتي على حساب الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن في اليمن، بما في ذلك العلاقة مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
إن قرار السعودية قصف قوات الجنوب في المكلا يوحي بعودة السياسة السعودية إلى مقاربات ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. فقبل هجمات القاعدة على نيويورك وواشنطن، كانت السعودية لعقود المحرّك والمموّل الأكبر للتطرف الإسلامي عالميًا. وقد واصلت دعم القضايا الإسلامية المتشددة حتى بعد تلك الهجمات، ولم تبدأ في التضييق إلا عندما شرع الإرهابيون الإسلاميون في مهاجمة المملكة نفسها.
لم يكن تعرّض السعودية لارتدادات هذا الدعم أمرًا مفاجئًا؛ فكل دولة تدعم جماعات إسلامية متطرفة خارج حدودها تواجه في نهاية المطاف عنفها داخل أراضيها. وقد تعلّمت باكستان وسوريا وتركيا هذا الدرس جميعًا. ولن تكون السعودية استثناءً إذا استأنفت دعمها لفرع الإخوان المسلمين العنيف في اليمن.
ولا يقتصر دور عناصر حزب الإصلاح على تهريب السلاح إلى الحوثيين فحسب، بل يقدّمون أيضًا الدعم لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
قد تسعى الرياض إلى كبح نفوذ أبوظبي، غير أن القيام بذلك عبر تمكين جماعات مصنّفة أو متهمة بالإرهاب خيار غير حكيم. فقد سهّل حزب الإصلاح مسارات التهريب عبر حضرموت إلى قوات الحوثيين. هؤلاء يقاتلون للسيطرة على حقول النفط اليمنية قرب مأرب. وعلى السلطات السعودية أن تحسم ما هو الأهم: قوة متحالفة مع دولة الإمارات تُرسّخ سيطرتها، أم عودة انتعاش الحوثيين.
وتتسم العلاقات السعودية–الحوثية بالتعقيد. فبعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، تحرّكت السعودية في البداية لمواجهتهم. لكن بعد أن تخلّت إدارات أمريكية متعاقبة، بما في ذلك إدارتي باراك أوباما وجو بايدن، وكذلك إدارة دونالد ترامب في ولايته الثانية، عن دعم السعوديين في قتالهم ضد الحوثيين، خلصت الرياض إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تقف إلى جانبها وقررت بدلًا من ذلك استرضاء الجماعة.
قد ينجح هذا النهج على المدى القصير، لكنه سيكون كارثيًا على المدى الطويل. لأن الحوثيين خصم أيديولوجي بقدر ما هم جماعة قبلية.
يفضّل ترامب نهج عدم التدخل في المنطقة، وينظر إلى السعودية إلى حد كبير من زاوية إمكاناتها الاستثمارية. غير أنه ينبغي له، ولوزارة الخارجية الأمريكية، ومع عودة السعودية إلى التساهل مع جماعة الإخوان المسلمين وتقويض جهود مكافحة الإرهاب في اليمن، رفض هذه السياسة المزدوجة، ووقف شحنات السلاح، وفرض عقوبات على أي مسؤول سعودي أو مواطن خاص تمكّن أفعاله أو يدعم حزب الإصلاح.
لقد خدعت السعودية الولايات المتحدة قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. وتُظهر تصرفات السعودية الأخيرة في جنوب اليمن أن الأمريكيين ليسوا وحدهم من عادوا إلى عقلية ما قبل الحادي عشر من سبتمبر. بل إن السعودية أيضًا نسيت دروس تلك المرحلة، وتضع اليوم الأساس لاحتمال تكرارها.
مايكل روبن
زميل أول في معهد «أمريكان إنتربرايز»، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، لا سيما إيران وتركيا.
شغل سابقًا مناصب في وزارة الدفاع الأمريكية، وعمل ميدانيًا في إيران واليمن والعراق، كما تواصل مع حركة طالبان قبل أحداث 11 سبتمبر.
أسهم في التعليم العسكري، ودرّس وحدات من البحرية الأمريكية ومشاة البحرية حول النزاعات الإقليمية والإرهاب.
من أبرز مؤلفاته: الرقص مع الشيطان وإيران الأبدية.
يحمل درجة الدكتوراه والماجستير في التاريخ، وبكالوريوس في علم الأحياء من جامعة ييل.


