القاهرة، مصر- يواجه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في أوربا منذ سنوات إشكاليات وجودية عميقة بين صراعات الداخل المنقسم بين جبهتين، إحداهما في لندن، والأخرى في تركيا،
وبين انقسامات فرعية داخل كل جهة من الجبهتين، إضافة إلى الملاحقات والتهديدات الأوروبية الأخيرة،
وذلك بالسير على خطى الولايات المتحدة والاتجاه نحو تصنيف الجماعة ضمن التنظيمات الإرهابية.
انقسامات جناح لندن
يعيش جناح التنظيم في لندن الذي يشكل الواجهة الأهم للجماعة في الغرب، حاليا فترة من أعقد فتراته بسبب الصراعات الداخلية، بين الإدارة المركزية والفروع في باقي الأراضي البريطانية،
وهو ما يضع التنظيم ككل أمان تساؤلات جدية حول ما إذا كان قادرًا على إعادة التموضع داخل أوروبا،
أم أنه سيواجه مرحلة عنيفة من التفكك والانقسام لتظهر جبهات جديدة على الساحة، بصورة تجعل من الصعب احتواء تلك الأزمة.

لندن.. من القيادة إلى المال
الأزمة الراهنة التي تواجه جبهة التنظيم في لندن بقيادة الإخواني صلاح عبد الحق رغبته في السيطرة على الكيانات الاقتصادية والمراكز والجمعيات الإسلامية،
والتي تعتبر إمبراطورية اقتصادية ضخمة للجماعة في جميع أنحاء بريطانيا وليس لندن وحدها، ومنها: المجلس الإسلامي في بريطانيا، ومنظمة الإغاثة الإسلامية والرابطة الإسلامية،
وكذلك الصندوق الفلسطيني للإغاثة والتنمية الذي أسسه عصام يوسف في التسعينيات ويمتلك وحده 11 فرعا في بريطانيا، وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الكبيرة.
ومن المعروف أن تلك الكيانات تمثل أهم الروافد الاقتصادية للتنظيم الدولي،
فلم يعد الصراع بين جبهتي لندن وتركيا على الموارد، أو على القيادة كما كان خلال الفترة الماضية،
بل امتد الآن ليصبح صراعا داخليا على المال في جبهة لندن وبدأت بوادر العدوى تتنتقل إلى خزائن الجماعة في إسطنبول.
وهذا في مؤشر خطير على تحول الأولويات من النشاط السياسي والأيديولوجي إلى الحفاظ على التنظيم ككيان اقتصادي مستدام.
حظر أمريكي مرتقب للتنظيم
يأتي هذا الصراع الداخلي في سياق ضغوط دولية متزايدة، في مقدمتها الحديث المتصاعد عن حظر أمريكي مرتقب للتنظيم،
وهو ما دفع الجماعة إلى إعادة ترتيب هياكلها في بريطانيا، عبر إنشاء كيانات جديدة، مثل «المنظمة الإسلامية في بريطانيا»،
كخطوة استباقية لتجاوز القيود المالية المحتملة، والحفاظ على قنوات التمويل والنشاط.
فقد تحولت الساحة البريطانية، التي ظلت لعقود طويلة تشكل مركز ثقل للتنظيم الدولي في أوروبا،
وهذا إلى مسرح صراع داخلي مفتوح، يعكس ضعف التماسك القيادي،
وتآكل القدرة على إدارة الخلافات داخل الجماعة، في ظل تراجع الغطاء السياسي والأمني الذي كانت تتمتع به في السابق.

ألمانيا.. ستار النهاية
ولم تنته الأزمة الداخلية للتنظيم الدولي في لندن، إلا وظهرت أزمة أخرى في ألمانيا، في ظل التهديدات المرتقبة،
وذلك حول تبعات تصنيف الجماعة ضمن التطيمات الإرهابية في الولايات المتحدة، والتوقعات بانتقال ذلك إلى أوروبا.
فبالتوازي مع أزمات لندن، تشهد ألمانيا حاليا تحولا جذريا في التعامل مع جماعة الإخوان، بعد سنوات طوولية من الاحتواء الناعم.
ففي نوفمبر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية حظر جماعة «مسلم إنتراكتيف»،
وهذا في خطوة وصفت بأنها ضربة قاسية لما يمكن أن يطلق عليه وجه جماعة الإخوان الرقمي، على منصات التواصل الاجتماعي.
مخاوف من الإسلام السياسي
وشنت السلطات الألمانية حملة مداهمات واسعة شملت عددا من المواقع في كل من هامبورج وبرلين وولاية هيسن، واتهمت الجماعة بتهديد النظام الدستوري،
والترويج لمعاداة السامية، والتمييز ضد النساء والأقليات، ومعادة الدستور الألماني بهدف تقويضه على المدى الطويل.
وجاء الحظر بعد أن أثارت مظاهرة نظمتها الجماعة في هامبورج مطلع 2024، ودعت فيها إلى إقامة الخلافة في ألمانيا،
والتي شكلت صدمة واسعة داخل المجتمع الألماني، وعززت المخاوف من تصاعد نفوذ الإسلام السياسي بين فئات من الشباب.
نحو حظر شامل للإخوان
وتواجه جماعة الإخوان في أوروبا أزمات متصاعدة خلال السنوات الأخيرة، وليس في ألمانيا وحدها.
في يناير الماضي، فتح البرلمان الألماني نقاشا واسعا حول مشروع قانون لحظر جماعة الإخوان المسلمين بشكل نهائي،
وهذا في خطوة غير مسبوقة داخل دولة أوروبية كبرى.
وقد تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا، بمشروع لحظر منظمات مرتبطة بالإخوان، وعلى رأسها جمعية المجتمع المسلم الألماني،
مع الدعوة لتشديد الرقابة على المساجد، وبرامج تدريب الأئمة، ومصادر التمويل الخارجي.

ألمانيا تجفف منابع تمويل الجماعة
وتشير تقارير رسمية في ألمانيا إلى تكثيف المراقبة على عشرات المراكز التعليمية المرتبطة بأيديولوجية الإخوان،
وإعادة توجيه ملايين اليوروهات من التمويل العام بعيدا عن منظمات يشتبه في صلاتها بالجماعة،
وذلك في إطار استراتيجية تهدف إلى تجفيف منابع التمويل والدعاية.
ولم يكن الأفراد بمنأى عن تلك الملاحقات من السلطات الألمانية،
فقد أدانت محكمة ألمانية سعد الجزار، رئيس مركز «مروة الشربيني» الثقافي في دريسدن، بتهمة اختلاس تبرعات،
وهذا في قضية اعتبرت مؤشرا على بدء تفكيك شبكات التمويل الداخلي للجماعة.


