القاهرة،مصر-لا تزال جماعة الإخوان المسلمين تحاول استغلال أي حدث اقتصادي أو سياسي من الدول العربية التي كشفت حقيقتها أمام الشعوب وعلى رأسها الإمارات ومصر والسعودية،
وهذا عبر بيانات عرجاء يصدرها ما يسمى التنظيم الدولي للجماعة سواء في اسطنبول أو لندن.
وفي ١٩ ديسمبر الجاري أطل علينا المكتب الإعلامي للتنظيم فرع تركيا ببيان جديد حول اتفاقيات الغاز في منطقة شرق المتوسط.
وكالعادة حمل في طيآته مزيجا معتادا من المغالطات التاريخية والقانونية والسياسية رغم تأكيده على أنه انطلق من أرضية قانونية وتاريخية.
كما حاولت الجماعة تغليف بيانها بصبغة “وطنية” و”أخلاقية”.
غير أن نظرة فاحصة لمضمونه البيان والسياق التاريخي والزمني الذي ظهر فيه يخبرك عن حالة من “الهذيان السياسي”
والانفصال التام عن الواقع وعن لغة السياسة والمصالح الإستراتيجية التي تحكم العالم.
عقود تجارية بحتة
ارتكز بيان الجماعة على خلط متعمد بين “التعاقدات التجارية” و”المواقف السياسية”.
والحقيقة التي تؤكدها الوثائق أن اتفاقيات توريد الغاز إلى مصر هي اتفاقات بين شركات من القطاع الخاص (شركات دولية ومحلية)،
تهدف في المقام الأول إلى استغلال البنية التحتية المصرية الفريدة.
فمصر تمتلك محطات إسالة في “إدكو” و”دمياط” تقدر قيمتها بمليارات الدولارات،
وكانت ستتحول إلى “خردة” لولا الرؤية الاستراتيجية التي قضت بجعل مصر المصب النهائي لغاز المنطقة لإعادة تصديره إلى أوروبا والعالم.
مصر “الرئة” التي تتنفس منها القارة العجوز
هذا التحرك لم يكن “مكافأة” لأحد، بل كان استثمارا في الجغرافيا السياسية؛ حيث أصبحت مصر “الرئة” التي تتنفس منها القارة العجوز من ناحية الطاقة،
الأمر الذي منح القاهرة أوراق ضغط سياسية واقتصادية لم تكن تملكها من قبل، وهو ما ينسف ادعاء الجماعة بأن الاتفاقية تمثل “تهديدا جيوسياسيا”
ومن يتابع السياق الذي أُعلن فيه عن الصفقة يكتشف أن مصر تتعامل معها بمنتهى المهارة التي تجعل لها اليد العليا.
القضية الفلسطينية غير قابلة للمزايدات
وكعادة الجماعة فقد حاول البيان اللعب على وتر العاطفة القومية بادعاء أن هذه الاتفاقات تمس الحقوق الفلسطينية.
وهنا تبرز المفارقة؛ فالدولة المصرية هي التي أسست ودعمت “منتدى غاز شرق المتوسط” الذي يضم فلسطين كعضو مؤسس وكامل العضوية،
وذلك لضمان حق الشعب الفلسطيني في استغلال موارده الطبيعية قبالة سواحل غزة،
أي أن المنتدى يعتبر ورقة رسمية رابحة في إطار دعم إقامةالدولة الفلسطينية وليس العكس.
والمعروف أن الموقف المصري من القضية الفلسطينية، وبخاصة في ظل الأزمات الراهنة، يتسم بالصلابة والوضوح في رفض التهجير وتصفية القضية،
وهو موقف لا يقبل المزايدة من جماعة أثبتت التجربة التاريخية أنها تضع مصالح “التنظيم” فوق مصالح “الوطن” و”القضية” معاً.
فالدولة المصرية تدير ملفاتها بتوازن دقيق يضمن استمرار دورها كقوة إقليمية قادرة على حماية الحقوق العربية، لا كظاهرة صوتية تكتفي بالشعارات.
هذيان البدائل وتناقضات الإخوان
كما تحدثت الجماعة في بيانها عن “بدائل عربية وإسلامية”، وهو طرح يفتقر لأدنى قواعد المنطق الاقتصادي
وهذا في ظل تعقيدات النقل والإمداد واتفاقيات العقود طويلة الأمد.
إن هذا “الهذيان” يعيد للأذهان فشل الجماعة إبان فترة حكمها في إدارة ملف الطاقة،
حينما شهدت البلاد أظلم عصورها نتيجة سوء الإدارة والافتقار للرؤية،
بينما نجحت الدولة المصرية الحالية في تحقيق الاكتفاء الذاتي والتحول للتصدير في زمن قياسي.
احتكار الحديث باسم الشعوب
الأخطر في بيان الإخوان هو محاولة احتكار الحديث باسم الشعب المصري، والادعاء بأن “ضمير المصريين يرفض التطبيع”،
بينما الحقيقة أن المصريين يميّزون جيدًا بين الثوابت الوطنية وبين إدارة المصالح،
ويدركون أن الجماعة تستخدم القضية الفلسطينية كورقة سياسية كلما ضاق بها المأزق،
رغم أن سجلها العملي حافل بالتناقضات، من التنسيق السياسي إلى المواقف الرمادية، بل والمساومات الإقليمية حين كانت في السلطة.
خطاب الإخوان.. صخب وتخوين
لقد أثبتت التجربة أن خطاب الإخوان لا ينتج سياسة، ولا يحمي أوطانا، ولا يحرر أرضا، بل يكتفي بالصخب والتخوين،
بينما تتحرك الدولة المصرية وفق حسابات دقيقة، تحمي أمنها القومي،
وتدعم القضية الفلسطينية بالفعل لا بالهتاف، وتفصل بين الصراع السياسي المشروع وبين إدارة الاقتصاد والطاقة.
ويؤكد توقيت البيان وما يتضمنه من تحريض يعكس رغبة الجماعة في استغلال أي زخم إقليمي
لإحداث بلبلة في الشارع العربي تارة في مصر وتارة في الإمارات وتارة في السعودية وتارة في الأردن.


