طرابلس،ليبيا-شهدت مدينة الزاوية، غرب العاصمة الليبية طرابلس، موجة جديدة من التوترات الأمنية عقب محاولة اغتيال القيادي محمد الفيتوري الملقب بـ”تشارلي”،
وأدى الحادث إلى نشوب اشتباكات عنيفة بين المجموعات المسلحة المتناحرة داخل المدينة التي تعتبر من أكثر المدن الليبية تورترا منذ سقوط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي.
وكشف الحادث تفاقم أزمة انتشار السلاح وتغلغل الجماعات المسلحة ذات الخلفيات الإجرامية أو الأيديولوجية في المنطقة،
وهذا ما ينذر بامتداد حالة الفوضى من الغرب الليبي إلى عموم المنطقة المغاربية والساحل الأفريقي.
تفاصيل الحادثة
اندلعت الاشتباكات إثر هجوم مسلح استهدف سيارة محمد الفيتوري، آمر قوة احتياط الزاوية، وأسفر الحادث عن إصابته ومرافقه بجروح.
أشارت أصابع الاتهام إلى جماعة محمد البحرون الملقب بـ”الفار”،
وهي من أبرز الفصائل المسلحة الناشطة في المدينة، وأن الحادث كان الهدف منه اغتيال الفيتوري.
تحوّل الهجوم إلى معركة ميدانية استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة،
وتسببت في هلع بين السكان وإغلاق الطرقات وتعطيل المدارس،
وأعادت الحادثة إلى الأذهان فوضى السلاح التي تعيشها ليبيا منذ سنوات.
مركز نفوذ مسلح
أصبحت الزاوية، خلال السنوات الأخيرة، بؤرة ساخنة بسبب تضخم نفوذ الجماعات المسلحة،
التي تعتمد على تهريب الوقود المدعم والاتجار بالبشر والمخدرات كمصادر تمويل أساسية لتلك الجماعات خاصة المرتبطة بالقاعدة وداعش.
سهلت هذه الموارد المالية للجماعات تعزيز قدراتها القتالية وفرض سيطرة ميدانية موازية لمؤسسات الدولة،
وهذا ما جعلها تتحول إلى مسرح متكرر للصراعات المسلحة بين الفصائل المحلية المتنافسة التي كانت الزاوية أحد مراكزها الرئيسية.
لم يقتص عمل تلك المجموعات على الصراعات الداخلية فقط، بل تُعد جزءًا من شبكة أوسع تربط بين التهريب والإرهاب العابر للحدود في شمال أفريقيا والساحل،
حيث تشكّل ليبيا حلقة وصل بين جماعات متطرفة مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وداعش الصحراء الكبرى.
السلاح والإرهاب عابر الحدود
تؤكد الأحداث الأخيرة في الزاوية أن الفصائل المسلحة الليبية مازالت تتقاطع مصالحها الاقتصادية والأمنية،
وذلك مع شبكات تهريب الأسلحة والمقاتلين المنتشرة بين ليبيا وتشاد والنيجر والسودان.
هذا الارتباط الخطير يعزز من قدرة التنظيمات الإرهابية على إعادة التموضع واستقطاب عناصر جديدة عبر الحدود الجنوبية والغربية لليبيا،
مستفيدة من الفراغ الأمني والانقسام السياسي داخل البلاد.
ويحذر خبراء أمنيون من أن استمرار هذا الوضع قد يجعل غرب ليبيا بوابة مفتوحة لعودة الإرهاب المنظم إلى المنطقة،
خاصة مع تراجع التنسيق الأمني بين الدول المجاورة وضعف الرقابة الحدودية.
غياب الدولة
ورغم المحاولات الكثيرة للسيطرة على الأوضاع الداخلية في ليبيا إلا أن مثل هذه الحوادث تأتي لتؤكد أن انقسام المؤسسات الأمنية والعسكرية في ليبيا ما يزال يشكل العقبة الكبرى أمام أي استقرار حقيقي.
فالسلطة المركزية غير قادرة على فرض سيادتها على المجموعات المسلحة أو ضبط مواردها غير المشروعة،
ما يخلق بيئة خصبة لتحالفات ظرفية بين الميليشيات والمهربين وحتى الخلايا المتطرفة الباحثة عن تمويل أو حماية خارجية.
الخطير في المسألة هو أن بعض عناصر هذه الجماعات شاركت سابقًا في عمليات تهريب أسلحة إلى مناطق النزاع في الساحل،
وهو ما يربط مباشرة الاشتباكات المحلية في الزاوية بمشهد الإرهاب الإقليمي الأوسع.
خطر إقليمي
لا تقتصر تداعيات التوتر الأمني في الزاوية على الداخل الليبي فحسب، بل تمتد لتؤثر في الأمن الإقليمي لشمال أفريقيا والساحل.
فمع استمرار الفراغ السياسي والانفلات الأمني، تتحول ليبيا مجددًا إلى نقطة ارتكاز لشبكات الإرهاب والتهريب التي تهدد استقرار المنطقة بأكملها.
هذه المعادلة المعقدة تجعل من السيطرة على الزاوية اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة الليبية على استعادة هيبتها ومنع تحول غرب البلاد إلى بؤرة إقليمية لتمويل الإرهاب وتهريب السلاح.