الجزائر – تعد تجارة الأعضاء البشرية اليوم واحدة من أكثر الجرائم المنظمة بشاعة وخطورة على المستوى العالمي، حيث تتجاوز حدود الدول لتشكل شبكات إجرامية معقدة تدر عائدات سنوية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات.
وتقتات هذه التجارة غير المشروعة على الفوارق الاقتصادية الصارخة بين الطبقات الاجتماعية، وتستغل حاجة المرضى الماسة لعمليات زرع الأعضاء لإنقاذ حياتهم، مما خلق سوقا سوداء تتوسع في الظل بعيدا عن الرقابة الرسمية.
الواقع القانوني والجهود الحكومية في الجزائر
في الجزائر، تسلط التقارير الدولية، لا سيما تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الاتجار بالبشر لعام 2025، الضوء على ملفات شائكة تتعلق بتهريب المهاجرين، الاستغلال الجنسي، والعمل القسري.
ورغم أن التقرير لم يدرج تجارة الأعضاء كظاهرة متفشية بشكل واسع داخليا، إلا أنه أشار إلى قصور في قدرة الحكومة الجزائرية على القضاء التام على كافة أشكال الاتجار بالبشر.
وعلى الرغم من الجهود المحدودة التي تبذلها الدولة في مجالات التحقيق والملاحقة القضائية، وإنشاء آليات وطنية للرقابة، ووضع استراتيجية وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر بالتعاون مع منظمات دولية (والتي لا تزال قيد الموافقة)، فإن التحديات تظل قائمة.
وتبرز الفجوة الكبرى في عدم كفاية خدمات حماية الضحايا، وغياب الإجراءات الفعالة لتحديد هوياتهم وإحالتهم إلى مراكز إيواء مناسبة، بالإضافة إلى استمرار خطر معاقبة الضحايا على أفعال أجبروا على ارتكابها تحت ضغط عصابات الاتجار.
ومن الناحية التشريعية، يبرز قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 23-04 لعام 2023، الذي يجرم صراحة الاتجار بالجنس والعمل القسري.
ومع ذلك، يرى مراقبون أن عدم النص الصريح على “تجارة الأعضاء البشرية” في بعض جوانب هذا القانون قد يترك ثغرات قانونية يمكن للمتاجرين استغلالها، رغم أن غرض “نزع الأعضاء” مشمول في الإطار العام لمكافحة الاتجار بالبشر.
انتشار الظاهرة وخطورتها
لا تفرق تجارة الأعضاء بين الفئات الاجتماعية، لكنها تتركز بشكل مفزع في استهداف الفئات الضعيفة اقتصاديا والمهاجرين غير الشرعيين. وتستغل الشبكات الإجرامية الفقر المدقع، والحواجز اللغوية والقانونية التي يواجهها هؤلاء لاستقطابهم، ومن ثم انتزاع أعضائهم وبيعها محليا أو عبر شبكات دولية.
وتستفيد هذه العصابات من ضعف الرقابة ونقص التوعية المجتمعية لتوسيع نطاق عملياتها في الخفاء.
ضحايا الاتجار بالأعضاء: المهاجرون والمحليون
تشير المؤشرات الميدانية إلى أن المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء هم الضحايا الأبرز في الجزائر.
و يدخل هؤلاء الجزائر طواعية بحثا عن حياة أفضل بمساعدة مهربين، ليجدوا أنفسهم لاحقا ضحايا للاستغلال الجنسي، والعمل القسري، وفي أسوأ الحالات لبيع أعضائهم.
ولا يتوقف الأمر عند الأجانب، بل يمتد للمواطنين المحليين الذين يعانون من ضائقة مالية حادة، حيث يتم إغراؤهم أو إجبارهم على التبرع بأعضائهم مقابل مبالغ زهيدة، دون أي حماية قانونية أو رعاية صحية تضمن سلامتهم.
الجزائر والمنطقة المغاربية: مثلث النشاط الإجرامي
رغم التجريم القانوني الصارم في الجزائر، تظل الظاهرة موجودة لأسباب هيكلية، أهمها الطلب العالمي الهائل على أعضاء مثل الكلى والكبد مقابل ندرة التبرع الطوعي.
ويدفع اليأس والفقر الأفراد لبيع كليتهم مقابل مبالغ “مغرية” ظاهريا تتراوح بين 5 إلى 20 ألف دولار، بينما يتقاضى السماسرة والشبكات المنظمة أسعارا تتراوح بين 100 إلى 200 ألف دولار للمستفيد النهائي.
وتشير تقارير الإنتربول للفترة ما بين 2021 و2024 إلى أن المنطقة المغاربية تعد “نشطة نسبيا” في هذا النوع من الجرائم.
وتمتد هذه الشبكات المنظمة عبر الحدود، خاصة مع المغرب وليبيا ودول غرب إفريقيا، وتضم في بعض الأحيان سماسرة وأطباء ومراكز طبية خاصة تعمل في الخفاء لتسهيل هذه العمليات.
التحديات والمخاطر والمواجهة القانونية
تظل السرية التامة هي العائق الأكبر أمام السلطات والمجتمع المدني لتقييم الحجم الحقيقي لتجارة الأعضاء.
كما أن غياب قوانين تنظيمية واضحة ونظام حماية متكامل للضحايا يجعلهم يخشون الإبلاغ عن الجرائم خوفا من الترحيل أو العقاب.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الجزائر تجرم هذه الأفعال بقسوة منذ سنوات؛ حيث تم إدراجها في قانون العقوبات (المواد 300 مكرر 16 وما بعدها) منذ تعديلات عام 2009. وتصل العقوبات إلى السجن المؤبد إذا ارتبطت الجريمة باستغلال ضعف الضحية، أو اختطافه، أو وفاته.
كما يعزز القانون الحديث 23-04 لسنة 2023 من أدوات مكافحة الاتجار بالبشر بجميع أشكاله، بما في ذلك الأغراض المتعلقة بنزع الأعضاء، في محاولة لمحاصرة هذه الجريمة التي تنهش أجساد الفقراء.


