غزة ، فلسطين – بعد مرور عام على مقتل القائد العسكري البارز يحيى السنوار في رفح، دخلت حركة حماس مرحلة جديدة من التحول التنظيمي والسياسي.
اتسمت بانتقال القيادة من النموذج الفردي إلى قيادة جماعية مؤقتة تدير القرار الاستراتيجي من الدوحة. وقد تراجع الحضور القيادي داخل غزة وارتفع نفوذ قيادات الخارج.
قيادة جماعية وملفات موزعة
في أعقاب سلسلة اغتيالات طالت أبرز وجوه الحركة، بينهم إسماعيل هنية في طهران ثم يحيى السنوار، فعلت حماس لجنة قيادة مؤقتة تتخذ من الدوحة مقرا لها.
وتضم خمسة أعضاء من أبرزهم خالد مشعل، خليل الحية، وزاهر جبارين، إضافة إلى ممثلين عن غزة والضفة والشتات ومجلس الشورى.
وبحسب مصادر قريبة من الحركة، فإن هذه اللجنة تتولى تسيير القرار السياسي والعسكري مؤقتا. يحدث هذا في ظل غياب إجماع على زعيم فردي جديد.
وتبرز هنا ملامح فصل متزايد بين الأذرع السياسية والعسكرية، يرجح أن يستمر حتى موعد الانتخابات التنظيمية المقبلة.
الذراع العسكرية: خسائر متتالية وبروز وجوه جديدة
بعد مقتل السنوار، فقدت الحركة أيضا القائد محمد السنوار في غزة خلال ضربة إسرائيلية في مايو 2025. وقد عمّق هذا الحدث الفراغ الميداني في المستويات العليا لكتائب القسام.
وفي المقابل، برز اسم عزالدين الحداد كوجه عسكري مؤثر يتبنى مواقف متشددة إزاء شروط الهدنة ونزع السلاح.
هذا التحول يشير إلى آلية تعيين داخلية سريعة تحافظ على استمرارية القيادة العسكرية. لكنه يعكس في الوقت نفسه درجة عالية من الاستنزاف في القمة العسكرية للحركة.
معادلة التفاوض: براغماتية تكتيكية، لا اعتدال سياسي
رغم قبول حماس مسارات تهدئة مؤقتة أو صفقات تبادل، إلا أن موقفها من شروط نزع السلاح أو استبعادها من حكم غزة ظل صارما.
وقد جددت الحركة على لسان قياداتها، أبرزهم خليل الحية، التأكيد على أن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مشروط بانسحاب القوات الإسرائيلية الكامل.
ويرى مراقبون أن الحركة تظهر مرونة تكتيكية لا تعكس اعتدالا سياسيا. كما أنها تستفيد من أوراق القوة التي لا تزال تملكها على الأرض، رغم الضغط العسكري والإنساني المتواصل.
الذكرى الرمزية: السنوار كـ”أيقونة صمود”
استثمرت حماس الذكرى الأولى لمقتل السنوار في تعزيز سردية الصمود والاستمرارية. كما قامت بنشر الجيش الإسرائيلي صورا جديدة لما قيل إنه جثمان السنوار. وكان ذلك في محاولة لتثبيت رواية مقتل الرجل الذي ارتبط اسمه بهجوم 7 أكتوبر 2023.
ورغم التناقضات الأولية في روايات الجيش الإسرائيلي، فقد تم لاحقا توثيق مقتله من خلال فحوص الحمض النووي وسجلات الأسنان. وقد عزز هذا الاستخدام الواقعة في الحرب الرمزية والإعلامية بين الجانبين.
من غزة إلى الدوحة: الجغرافيا الجديدة للقرار
باتت الدوحة مركز ثقل القرار السياسي لحماس، مقابل إدارة عسكرية ميدانية مستمرة في غزة، رغم تراجع البنية التنظيمية وفعالية المؤسسات. يأتي هذا بعد عامين من الحرب. وتؤدي بنية مجلس الشورى، التي تضم ممثلين من الساحات المختلفة، دورا في حفظ شرعية القرارات. لكنها لا تلغي التباعد الجغرافي والسياسي بين الداخل والخارج.
ما الذي تغير خلال عام؟
القيادة الفردية تحولت إلى قيادة جماعية مؤقتة مقرها الدوحة. بينما الذراع العسكرية فقدت قادة بارزين. لكنّها حافظت على التماسك من خلال تعيينات ميدانية جديدة.
كذلك موقف التفاوض بات أكثر براغماتية. لكنه ظل رافضا لنزع السلاح أو الإقصاء السياسي. بينما تعمقت الفجوة بين الداخل والخارج. استمر القرار العسكري بيد قيادات ميدانية داخل غزة.
وأيضا تحولت الذكرى السنوية لمقتل السنوار إلى منصة لبناء السردية وتعزيز المعنويات في وجه الضغط المتصاعد.
ما الذي ينتظر حماس؟
في ظل الغموض الذي يحيط بمصير خطة وقف إطلاق النار التي ترعاها الولايات المتحدة واستمرار الوساطات الإقليمية، سيكون العام المقبل اختبارا حاسما لفعالية نموذج القيادة الجماعية.
ومدى قدرة الحركة على التعامل مع ملفات إعادة الإعمار، الحكم، والأمن.
كما ستحدد صفقة الأسرى المحتملة طبيعة العلاقة المستقبلية بين الجناحين السياسي والعسكري. وستوضح ما إذا كانت الحركة ستتجه نحو ترسيخ توزيع الأدوار أو العودة إلى زعامة مركزية.