صوت الإمارات-أحدث دعم دولة الإمارات العربية المتحدة فارقا ملموسا في نجاح جهود إقليم بونتلاند الصومالي في مكافحة الإرهاب، خاصة في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، مما ساهم في ترسيخ الاستقرار في هذا الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي ضمن جمهورية الصومال الفيدرالية.
منذ عام 2011، رسخت الإمارات شراكتها الأمنية والتنموية مع الحكومة الصومالية، حيث لعبت دورا محوريا في بناء مؤسسات الأمن والدفاع في البلاد، أبرزها إنشاء قوة شرطة بونتلاند البحرية،
التي تطور دورها من مكافحة القرصنة إلى مكافحة الإرهاب،
بالإضافة إلى تأسيس مركز تدريب عسكري في مقديشو، وتدريب المئات من عناصر الجيش والأمن، ودفع رواتب أكثر من 2400 جندي حكومي، وفقا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
كما شملت المبادرات الإماراتية الجانب الإنساني، من خلال إنشاء مستشفى الشيخ زايد في مقديشو، الذي يقدم خدماته المجانية لنحو 300 مريض يوميا.
دور حاسم في بونتلاند
وفي بونتلاند، عزز الوجود الإماراتي قدرات القوات المحلية بشكل واضح. فقد أشار رئيس بونتلاند السابق، عبد الولي محمد علي،
إلا أن دعم الإمارات لعب دورا جوهريا في إعادة بناء القوات المسلحة الصومالية.
كما ساعدت الإمارات في تدريب قوات العمليات الخاصة ودعمت حملات بونتلاند ضد داعش في المناطق الجبلية الوعرة.
ومنذ عام 2012، تدرب الإمارات العربية المتحدة وتجهز وتمول قوة شرطة بونتلاند البحرية (PMPF)، ومقرها الرئيسي في بوساسو، ولها قواعد في عدة مدن ساحلية مثل قندلا وهافون،
بالإضافة إلى جبال جلجلة. تأسست القوة عام 2011 لردع القرصنة في خليج عدن،
لكنها تحولت تدريجيا إلى جهة فاعلة في مكافحة الإرهاب.
قوة الإمارات
تقدم الإمارات العربية المتحدة رواتب شهرية لأفرادها البالغ عددهم 2000 فرد منذ تأسيسها.
وبحسب تقارير أمنية، تمركزت قوة إماراتية صغيرة خاصة في محيط مطار بوساسو،
لدعم العمليات الميدانية ومساندة قوة الشرطة البحرية.
ما يعتقد أن الإمارات نفذت غارات جوية على معاقل تنظيم داعش في شمال شرق الصومال،
انطلاقا من قاعدة كبيرة تمولها في بوساسو، وفقا لـ المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS).

إعادة السيطرة
وفي فبراير 2025، حققت قوات الأمن الإقليمية بدعم إماراتي وأميركي تقدما كبيرا ضد داعش،
حيث أسفرت غارات وقصف ميداني عن مقتل أكثر من 150 عنصرا من تنظيم داعش، غالبيتهم من المقاتلين الأجانب.
وأعلنت بونتلاند بدعم من حلفائها في الإمارات العربية المتحدة أنها استعادت السيطرة على أكثر من 300 كيلومتر مربع من المناطق الجبلية التي كانت تعد معقلا رئيسيا لداعش، بحسب ولاية بونتلاند.
وفقا لبيان صحفي صادر عن حكومة بونتلاند في 20 فبراير 2025،
مكافحة الإرهاب
استهدفت العمليات المناطق المحيطة بوادي توغ-جيسيل، وهو واد وعر ونائي لطالما كان ملاذا لمسلحي داعش.
وأسفر الهجوم البري، الذي نفذته وحدة مكافحة الإرهاب النخبوية في بونتلاند، عن مقتل أكثر من 15 مقاتلا أجنبيا من داعش،
بينما أسفرت الغارات الجوية التي قادتها الإمارات العربية المتحدة عن مقتل 29 مسلحا آخرين في قريتي دامدامالي وتوغ-دامدامالي.
تمثل هذه العملية الناجحة إنجازا هاما في حملة هيلاك، التي أطلقت مطلع عام 2025 بهدف القضاء على داعش تماما من أراضي بونتلاند.
ومنذ ذلك الحين، قوات بونتلاند معركة شاقة ومعقدة ضد الجماعة المتطرفة، في بعض من أكثر التضاريس صعوبة ووعورة في المنطقة.

آخر معاقل داعش
لطالما كانت جبال كال-مسكاد، الواقعة في شمال شرق بونتلاند، معقلا لداعش.
وقد وفرت هذه التضاريس الوعرة والنائية، التي تتميز بمنحدراتها الشديدة ووديانها الضيقة ونباتاتها الكثيفة،
ملاذا طبيعيا للمسلحين الساعين إلى التهرب من الكشف وشن هجمات على أهداف مدنية وعسكرية.
استخدم تنظيم داعش جبال كال-مسكاد قاعدة لعملياته الإرهابية في بونتلاند وخارجها.
وأنشأ التنظيم شبكة من المعسكرات ومرافق التدريب وطرق الإمداد في المنطقة،
مما مكنه من مواصلة عملياته واستقطاب مجندين جدد من جميع أنحاء القرن الأفريقي وخارجه.
دعم جوبالاند
لا يقتصر الدعم الإماراتي للصومال على بونتلاند فقط، فقد شمل أيضا قوات جوبالاند، ووحدات الشرطة العسكرية الفيدرالية، التي جرى تدريبها في أوغندا وإثيوبيا ومصر،
بالإضافة إلى تمويل يصل إلى 9 ملايين دولار شهريا، مما مكن الجيش من تشكيل ألوية جديدة تشارك في الحملة ضد حركة الشباب.
ومنذ صيف عام 2023 على الأقل، شنت الإمارات العربية المتحدة غارات بطائرات مسيرة، ووفرت مركبات وتدريبا لقوات ولاية جوبالاند،
التي يحافظ قائدها أحمد محمد إسلام، منذ فترة طويلة، على علاقات وثيقة مع أبوظبي.
ومن المرجح أن الإمارات تشيد الآن قاعدة أخرى بالقرب من كيسمايو، عاصمة جوبالاند.
ومع انسحاب بعثة ATMIS (بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال)، باتت القوات التي دربتها الإمارات تعد البديل الأكثر جاهزية،
في إطار خطة حكومية لتكوين قوة قوامها 30 ألف جندي، و40 ألف شرطي، و8500 عنصر لحماية السجون.
لاعب إقليمي
وعلى صعيد أوسع، برزت الإمارات كلاعب إقليمي مؤثر في إفريقيا. ففي عامي 2022 و2023،
تعهدت باستثمارات بلغت 97 مليار دولار في القارة، متجاوزة الصين بثلاثة أضعاف، وبين عامي 2019 و2023،
أعلنت الشركات الإماراتية عن مشاريع بقيمة 110 مليارات دولار أمريكي في أفريقيا.
خصص 72 مليار دولار أمريكي من هذا المبلغ لمشاريع الطاقة المتجددة.
كما وسعت من مشاركاتها الدفاعية، وأصبحت شريكا أمنيا لأكثر من 20 دولة، مع تركيز خاص على شرق إفريقيا ومنطقة الساحل.
تجربة بونتلاند
تظهر تجربة بونتلاند أن القوات المحلية، المدعومة بتمويل وتدريب خارجي من الإمارات، يمكن أن تكون أكثر فاعلية في محاربة الجماعات المسلحة من السلطات الفيدرالية،
رغم محدودية الموارد. ومع ذلك، فإن مستقبل الحملة ضد داعش وحركة الشباب يعتمد على مزيج من الدعم الدولي والإرادة السياسية المحلية، وهو ما يبدو أن بونتلاند تملكه حاليا.
ويبقى التحدي الأهم هو ضمان أن يكون هذا الدعم محفزا لبناء مؤسسات أمنية وطنية مكتفية ذاتيا، لا
أداة تعتمد على المساعدات الخارجية فقط، لضمان أمن واستقرار الصومال على المدى الطويل.