القاهرة، مصر – لم تعد الاستثمارات الإماراتية مجرد أرقام تتحرك في الأسواق المالية، أو مشروعات تُسجَّل في دفاتر البنوك. بل أصبحت أداة من أدوات بناء العلاقات وتعزيز جسور الصداقة بين الدول العربية. فخلال السنوات الأخيرة، تحولت الإمارات إلى نموذج متفرد في دعم الاقتصادات العربية. وقد كان ذلك عبر استثمارات استراتيجية حملت في مضمونها بعدًا سياسيًا وتنمويًا. وأسهمت في ترسيخ الاستقرار وفتح آفاق جديدة أمام التكامل الاقتصادي العربي.
مصر.. اتفاق تاريخي يعزز الاستقرار المالي
في فبراير 2024، وقّعت الإمارات اتفاقًا استثماريًا غير مسبوق مع مصر بقيمة 35 مليار دولار لتطوير منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي. يُعَدّ المشروع الأكبر من نوعه في تاريخ مصر. يستهدف إنشاء مدينة عالمية تجمع بين السياحة والأنشطة المالية والخدمية. وتضم مطارًا وميناءً دوليًا، مع توقع استقبال نحو ثمانية ملايين زائر سنويًا.
ولم يكن هذا الاتفاق حدثًا اقتصاديًا فقط، بل تحوّل إلى نقطة فارقة في مسار الاقتصاد المصري. إذ ساعد على استقرار سوق الصرف. كما أسهم في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي ليقترب من 46 مليار دولار بحلول يوليو 2024. ساعد أيضًا على تحسين التصنيف الائتماني للبلاد، وإعادة الثقة في السوق المصرية أمام المستثمرين الدوليين.
البيانات الرسمية أكدت أن الاستثمارات العربية في مصر خلال العام المالي 2023/2024 بلغت 41.5 مليار دولار. تمثل هذه زيادة هائلة بنسبة 470% مقارنة بالعام السابق. وجاءت الإمارات في الصدارة بحجم استثمارات 38.9 مليار دولار، تليها السعودية وقطر بفوارق كبيرة. هذه الأرقام تعكس أن الاستثمار الإماراتي أصبح رافعة أساسية للاقتصاد المصري، وسندًا سياسيًا في وقت دقيق.
الأردن.. مشروع لوجستي يربط الإقليم
وفي سبتمبر 2024، خطت الإمارات خطوة جديدة نحو دعم التكامل الاقتصادي العربي. وقد تم ذلك عبر توقيع اتفاق مع الأردن بقيمة 2.3 مليار دولار لإنشاء شبكة سكك حديدية تربط ميناء العقبة بمناطق التعدين في الجوف وشيدية. يأتي هذا المشروع ضمن حزمة استثمارية موسعة تصل إلى 5.5 مليار دولار. تستهدف تطوير البنية التحتية الأردنية وتعزيز الربط اللوجستي مع دول الجوار.
وتشير التقديرات إلى أن المشروع سيسهم في خفض تكاليف النقل ورفع كفاءة الصادرات الأردنية. أيضًا، سيجذب مزيدًا من الاستثمارات الصناعية، بما يعزز موقع الأردن كمركز إقليمي للتجارة والنقل في المشرق العربي.
المغرب.. تنويع اقتصادي وشراكات استراتيجية
أما في المغرب، فتواصل الإمارات حضورها كأحد أبرز المستثمرين العرب. حيث تتركز استثماراتها في قطاعات السياحة والعقارات، بجانب الصناعة والتكنولوجيا الحديثة. يعكس هذا التوجه رغبة إماراتية واضحة في دعم الاقتصاد المغربي نحو مزيد من التنويع. كما يهدف إلى تقليل اعتماده على القطاعات التقليدية. تمثل هذه الاستثمارات حلقة إضافية في سلسلة الشراكات الاستراتيجية التي تعزز التعاون الاقتصادي العربي–العربي.
رؤية أوسع.. استثمارات عالمية تتجاوز المنطقة
الاستراتيجية الإماراتية لا تتوقف عند حدود العالم العربي. فبحلول مطلع 2024، بلغت قيمة الاستثمارات الإماراتية الخارجية نحو 2.5 تريليون دولار. هذا يؤكد مكانة الدولة كقوة اقتصادية واستثمارية صاعدة على الساحة الدولية.
ومع ذلك، يبقى البعد العربي حاضرًا بقوة في هذه الرؤية. حيث تركز الإمارات على ضخ استثمارات نوعية في الدول الشقيقة. تلك الاستثمارات تُدرك أن التنمية المشتركة هي السبيل الأنجع لتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة.
الأرقام والوقائع تؤكد أن الإمارات اختارت أن تبني سياستها الاستثمارية على قاعدة من دبلوماسية التنمية. فالأموال تتحول إلى مشروعات كبرى، والمشروعات تولد فرص عمل. بهذه الطريقة، تُرسخ الفرص جسورًا من الصداقة والتعاون بين الشعوب. إنها معادلة تنموية تؤكد أن المستقبل العربي لا يمكن أن يُبنى بالشعارات وحدها. بل بالعمل المشترك والتكامل الاقتصادي. من مصر إلى الأردن والمغرب، ومن مشروعات البنية التحتية إلى المدن الذكية. السياحة والصناعة تثبت الإمارات أن استثماراتها هي جسر حقيقي للصداقة بين الدول العربية. إنها رسالة تنموية مفادها أن الأمة العربية قادرة على النهوض إذا تكاملت جهودها الاقتصادية وتوحدت مصالحها المشتركة.


