الامارات – تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة تعزيز حضورها الاقتصادي في القارة الإفريقية. وتصبح من بين أكبر المستثمرين الأجانب بعد الاتحاد الأوروبي والصين. تستثمر في قطاعات حيوية تشمل الطاقة والمعادن والبنية التحتية والخدمات اللوجستية، بحسب تقرير حديث صادر عن FT Locations.
بين عامي 2019 و2023، أعلنت الشركات الإماراتية عن مشاريع بقيمة 110 مليارات دولار في إفريقيا. خصصت 72 مليار دولار من هذا المبلغ لمشروعات الطاقة المتجددة. هذا مؤشر واضح على التحول الاستراتيجي نحو الاستثمارات الخضراء والطويلة الأمد. تدعم هذه الاستثمارات مساعي القارة للانتقال الطاقي وتوسيع شبكة الكهرباء.
وتنتشر استثمارات الإمارات في أكثر من 42 دولة إفريقية، وتشمل مجالات الطاقة الشمسية، التكنولوجيا، والاتصالات. هذا يعزز خلق فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية لملايين الأفارقة.
دبي وأبوظبي في صدارة التوسع
برزت كبرى الشركات الإماراتية، وعلى رأسها موانئ دبي العالمية وأبوظبي للموانئ والقابضة الدولية IHC، كمحركات رئيسية لهذا الحضور الاقتصادي المتنامي.
موانئ دبي العالمية تدير 6 موانئ إفريقية منذ 2006 وتخطط لبناء ميناءين جديدين.
موانئ أبوظبي تتولى إدارة ميناء كامسار في غينيا منذ 2013، ووسعت أنشطتها مؤخرا إلى مصر والكونغو وأنغولا.
كما تسير طيران الإمارات رحلات جوية إلى 20 دولة إفريقية، ما يعزز الترابط التجاري والسياحي بين الجانبين.
استثمارات استراتيجية في التعدين والطاقة
شهد قطاع التعدين قفزة كبيرة في الاستثمارات الإماراتية. من أبرزها صفقة استحواذ شركة إنترناشونال ريسورس هولدينغز (IRH) على 51% من مناجم موباني للنحاس في زامبيا بقيمة 1.1 مليار دولار. تفوقت بذلك على منافسين من الصين وجنوب إفريقيا.
وقد نالت الشركة ثقة الجانب الزامبي بعد التزامها بالحفاظ على الوظائف وضخ استثمارات طويلة الأجل. هذا جعلها الشريك المفضل للسلطات في لوساكا.
أما في قطاع الطاقة، فقد أطلقت الإمارات عدة مشاريع كبرى للطاقة النظيفة، أبرزها:
التزام شركة مصدر بضخ 2 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة في إفريقيا حتى عام 2030.
مشاريع الهيدروجين الأخضر في موريتانيا.
دخلت شركة XRG، الذراع الدولية لأدنوك، إلى قطاع الغاز في موزمبيق. وقد استحوذت على 10% من امتياز المنطقة 4 في حوض روفوما البحري، أحد أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم.
بنية تحتية قابلة للتصدير
ترى دول إفريقية عديدة في الإمارات شريكًا استراتيجيًا لنقل خبرتها في تطوير البنية التحتية. وفقا لتقديرات بنك التنمية الإفريقي، تحتاج القارة إلى 130 – 170 مليار دولار سنويًا لسد فجوة البنية التحتية. بينما جاءت الإمارات في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث جودة البنية التحتية حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023.
يرى كارلوس لوبيز، أستاذ السياسات العامة بجامعة كيب تاون، أن الدور الإماراتي المتزايد في إفريقيا يجسد “تحولا في الديناميكيات الاقتصادية العالمية”. حيث باتت قوى متوسطة مثل الإمارات تضطلع بأدوار اقتصادية، كانت تهيمن عليها تقليديًا الدول المانحة أو الصين.
الطاقة المتجددة في قلب الشراكة
في ظل سعي إفريقيا لتوفير الكهرباء لنحو 600 مليون شخص يفتقرون إليها، تعد الطاقة المتجددة ميدانًا رئيسيًا للتعاون بين الإمارات والقارة السمراء. تشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إلى أن منطقة الشرق الأوسط، بقيادة الإمارات، تسجل أحد أسرع معدلات النمو في هذا القطاع بعد الصين.
وقد وفر حدث “المناظرة الإفريقية”، الذي عقد في دبي في أكتوبر 2024، منصة مهمة لاستعراض فرص التعاون الإماراتي-الإفريقي. حيث أبدت الإمارات رغبتها في الاستثمار بقطاعات تمتد من التكنولوجيا والصحة إلى المعادن والخدمات المالية.
الإمارات شريك اقتصادي لا غنى عنه
بفضل تحالفات استراتيجية، ورؤية تنموية طموحة، وخبرة فنية متقدمة، نجحت الإمارات في ترسيخ مكانتها كشريك اقتصادي مفضل للعديد من الدول الإفريقية. ووفق مراقبين، فإن دورها في القارة لم يعد محصورا في التمويل أو المقاولات فقط. بل تجاوز ذلك إلى بناء شراكات متكافئة ترتكز على تبادل المصالح وتعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة.
وفي وقت تعيد فيه إفريقيا تشكيل خريطة تحالفاتها الاقتصادية، يبدو أن الطريق إلى المستقبل بات يمر — ولو جزئيًا — عبر أبوظبي ودبي.